هذا المصطلح - الانتقاد - له وقع كبير لدى بعض الأسماع الحساسة التي قد يسهل عليها تناول الآخر بالانتقاد وتسليط الأضواء على الجوانب السلبية الغامضة في فكره ولكنه غير مستعد أو قادر على إعطاء هذا الحق - حق الانتقاد - للآخر ليمارس عليه نفس هذا الدور.
ويمكن رؤية أو تشخيص الكثير - منا - ممن يحبون ممارسة هذا الحق ضد الآخر وبعنف أيضاً. قد يصل إلى هذا الاسقاط - ويمتلكون القدرة العالية والأدبيات الفكرية والمصطلحات الأدبية المتموجة التي ينطلقون منها كما في علم اللسانيات وكما هو حال فكر واضع علم السفسطة الفيلسوف المعروف بروتاجوراس اليوناني القائم على القدرة الأدبية التي تجعل السامع يخضع للقول ويحكم وفق ما هو مطلوب وإبراز الفكر الآخر بأنه فكر طوباوي ظلامي غير قادر على الصمود، ولا يستطيع التأثير أو فكر لقيط تجميعي. ثمة أمر آخر وهو أن يعد هذا الناقد نفسه مساهماً في تدعيم الثقافة الموضوعية والجدية التي ترفع وعي الأمة ولكنه يرى في الجانب الآخر أن مناقشة هذه الأفكار النقدية ضده هي نوع من تمزيق وحدة الصف، ولا ترمز إلى المثاقفة العاقلة، بل هي نوع من اللامسؤولية يمارس ضد هذا الفكر أو ذاك بغية اقصاءه من الساحة الاجتماعية.
وهذه الأزدواجية في الممارسة ضرب من التناقض والأنانية المفرطة التي قد تلازم البعض منا وتجعله متمسكاً بمصالح الشخصية والذاتية مهما كانت الظروف والنتائج والوسائل التي قد يتذرع بها لتحقيق الجماعة التي قد لا تعرف حدوداً وقيوداً ومن أجل ذلك كله يتخذ من نقد الآخر وسيلة لتحقيق ذلك كله ولتحقيق شره لا يعرف له حدود.
ومن هنا يتأتى القول إن العملية النقدية لها وجهان قد يطل كل منهما على الآخر، وقد تحصل بسببها القطيعة التامة بين هذا الفكر وذاك.
لاشك أن ممارسة النقد بعد كل ما ذكر من مقدمات مسألة تحريضية مهمة خصوصاً فيما يرتبط بالمسألة الثقافية وما يمس الواقع الاجتماعي غير أن الأهم من ذلك ان تكون هذه الممارسة بطريقة تساهم في تصحيح المسار الحركي للمجتمع وهذا يحتاج إلى مزيد من الاتقان في العملية النقدية، وهذا خلافاً لما قد يقوم به البعض حين يمارس النقد على الآخر، فإن ذلك إما:
- لمجرد الممارسة النظرية لهذه العملية المهمة والخطيرة في آن، فيكون من قبيل النقد للنقد فقط فهو الوسيلة والغاية، كمن يمارس الاختلاف مع الآخر لمجرد الاختلاف.
- أو يكون الغرض إفشاء سلبيات ونقائص الآخر لأنه يختلف في الرؤية والموقف ويخلق رأياً أو تموجاً آخر.
النقد والمعرفة
نحن كثيراً ما نطرق قضية بخصوصها بالنقد ونسهب في ذلك، وقد يصل الحديث أحياناً إلى الهجوم العنيف - وغير الموضوعي أيضاً - على فكر معين أو شخصية معينة أو جهة بخصوصها ونستل كل أسلحتنا الكلامية والثقافية والإعلامية ونبذل الجهود والأوقات ونشن عمليات الهجوم على مختلف التوجهات في سبيل تحقيق الأغراض.
والحال ان هذه العملية برمتها ليست في موقعها ومسارها الحقيقي وسنحتاج إلى وقت وجهد مضاعفين لرفع الالتباس وتصحيح الفهم والمقصود، وهذا يرجع إلى جهلنا بالموضوع وعدم قدرتنا على القراءة المتأنية للفكر أو الموقف، مع أنه ينبغي أن يكون في سلم أولوياتنا عند الدخول في هذه المسألة ان تكون لدينا حصيلة كاملة عن الموضوع المراد وضعه تحت المجهر أو الفكرة التي يراد تشريحها بمشرح النقد وهذا ما يمكن فهمه من النصوص الشرعية كما ورد في كلام أهل البيت (ع) (في كل حركة أنت محتاج فيها إلى معرفة) وهذا يتطلب جهداً كبيراً يستلزم:
- التمتع بلياقة القدرة على فهم الآخر.
- والقدرة على تقليب الأمور والأفكار خصوصاً.
- والقدرة على خلق الاحتمالات التي يمكن أن يقصدها هذا الرأي أو ذاك الموقف.
- والقدرة على توجيه كلام الآخر توجيهاً حسناً كما ورد عن الإمام علي (ع) (احمل فعل أخيك على أحسنه) أو (احمل أخاك على سبعين محملاً) وغيرها من الكلمات الواردة في سبيل الكشف عن ضرورة التمتع بهذا الكيف النفساني عند الممارسة النقدية خصوصاً ضد الآخر.
ولعمري تمنيت ان يتقبل كل منا الاخر عندما ينتقده اخوه في المنتدى لا ان نتعامل بغوغائية لم ولن تثمر
ثقافة النقد الذاتي
يحذر بعض المثقفين من مخاطر "النقذ الذاتي" في ايجاد حالة الإحباط اذا كان هذا النقد في مجتمعات كالمجتمعات العربية والاسلامية تعاني من كثير من المشاكل ومظاهر التخلف، ويقول هؤلاء إن النقد الذاتي في مثل هذه المجتمعات قد يؤدي ايضا الى الإنبهار بالآخر وفقدان الثقة بالنفس أمامه.
مارأيك بهذا الرأي؟ وكيف يُجعل النقد الذاتي في مثل هذه المجتمعات آلية للتقدم وليس سبباً للإحباط أو فقدان الهوية؟
والنقد الذاتي من شيم الكبار والعظماء وهو اساس التسامح مع النفس وتقويمها والوقوف على تقويتها
ودمتم