--------------------------------------------------------------------------------
عندما كنا نهم بالرجوع إلي الحي الذي نقطن فيه بتلك المدينة النائمة علي شط النيل الأبيض إذ بأصوات فتيات يبدو منها أنهن في مقتبل العمر كن يرددن بصوت يجتاحة السرور : ( قدم قدم لي قدام قدم سيف العريس ما يضوق الندم ) عندها أيقنت أن هناك إثنان إجتمعا علي تقضية بقية حياتهم سويا ، لقد كانت هذه (السيرة) تستهدف البحر في طقوس وجدناها منذ النشأة وكذا حال من هم قبلنا فيجتمع الأهل والأصحاب من كل أرجاء المعمورة لكي يقومون بمقاسمة صديقهم أو صديقهم فرحة زواجه وفي أغلب الأحيان يمتد الدور إلي أكثر من ذلك فيقومون بحمل بعض منصرفات الزواج عن كاهل الزوج في تعاون نادرا ما يجود به زمانا ومع غروب الشمس يستعد الجميع بلهفة فأهل العريس يركبون (البكاسي أو الروزات ) وتجهون إلي منزل ( العروسة )ولحظة وصولهم تبدأ مرحلة أخري من الطقوس فنجد (أم العروسة) تنتظر في باب المنزل لتقوم ( بتزيل العريس ) وهنا لا أعني حملة طبعا ، فيبدأ الحوار
( أم العروسة : نزلناك بي وقية دهب
فيأتي الرد مصحوبا بنبرة غضبا لا تفسد للود قضية من أم العريس : وقية دهب بس ما بتخجلوا ؟ ، فتتدارك أم العروس الموقف بفطنة : تلاتة وقايا دهب ، فتحتج أم العروس مرة أخري ، ويستمر الجدل لمدة ليست بالقصيرة وغالبا ما يكون العرض الأنسب لكي يتم إنزال ذاك العريس " بإنزاله بكتاب الله أو عروسة فلا تستطيع والدته إعتراضا " وهذا الفصل من الطقوس يأتي رده سريعا من قبل أهل العروس عندما يتم إنزال العريس ويدخل المنزل فتبدأ المساومات مرة أخري ولكن بتبادل الأدوار ويكون المحور هذه المرة حول تسليم (العروسة) فتأتي الأخت فتطالب بحق الحنانة تليها الخالة مطالبة بحق الخياطة وأخري تطلب حق (التعليمة) إلي أن يلبي العريس جميع الطلبات عندها يتم تسليمه (العروسة) )بعدها ينطلق الجميع إلي المركبات متجهين بعدها إلي البحر وهم يرددون بعض الأغاني التي أصبحت علم علي رأسه نار ( "هوي بي هوي بي فلان العريس يا الله تتم لي
لا شراب سجارة يا الله تتم لي
ولا لعاب قمار يا الله تتم لي
راجل ود رجال"
"يامراكبي ودينا علي توتي عدينا سوق معاك الرحلة شادينا
قوم وقف المركب خلي الشباب إركب"
" يازبيدة البص السريع همتا بيك وخايف أضيع قام في الخرطوم للجبل في دقايق حالا وصل ..... وتستمر الأغنية إلي في ربك رحلتنا إنتهت لما إيدك لي لوحت دون ما أشعر عيني بكت"
"والبابور جاز خلي الإشتغل الشغلي بي الجاز "
كدا كدا يا الترله قاطرا قندراني لابس ليهو دبلة وعامل فيها خاطب لكن هو ما خاطب بس حركات مكاتب"
"البنسلين يا تمرجي نادو الحكيم ياتمرجي دكتور صلاح يا تمرجي ضرب السلاح يا تمرجي ضرب السلاح يا تمرجي تاح تاح تراح جوه قلبي"
" جاياك جاياك يا أبشرا جاياك جاية أفتو معاك"حسي حسي يا أم العريس حسي ووزعي الببسي يا أم العريس")
وغيرها من الأغاني التي يضيق المكان لذكرها ، وفور الوصول إلي البحر يتقدم (العريس) ممسكا بيد (عروسته) ويجلسون علي حافة البحر يتبادلان التراشق بالماء ويغلس كل واحد منهما وجه صاحبه ثم يعودان إلي العربة التي غالبا مايكون قد إستلفها (العريس ) من أحد أصدقاءه والأطفال يمرحون علي شاطئ البحر فيرجع الجميع إلي مكانه داخل المركبة التي جاء بها وعند الوصول إلي منزل (أبو العريس) يتعالي صوت النساء " سواقنا زينا وحالف ما يدلينا" او " دور بي حبيبي دور بي " في طلبا صريح منهن ليقوم السائقون بالدوران أمام المنزل حتي يخرج الحي عن بكرة أبيه وبعدها يتجه الجميع إلي موقع الحفلة في مرحلة أخري من مراحل تلك الطقوس