فى زمان هذه القصة كان الاقوياء هم سدنة العدالة , اقوياء اجسام , او بذكائهم اقوياء, او هم
اقوياء مقام .
قبل نحو قرنين من الزمان , وفى قرية ( التنوم ) احدى قرى الدينكا, تصدت المحكمة لمحاكمة السمكة
الكبرى . . واستغرقت القضية خمس سنوات, واستاثرت باهتمام الناس فى كل القرى والمناطق المجاورة .
وقد اشتهر الدينكا برعى الابقار , ومنهم من يشتغل بالزراعة, وحينا بعد حين
يجتمعون شيبا وشباب يصيدون الاسماك , يدفعهم لهذا غرامهم باكل السمك, ورغبة
فى نيل متعة الصيد.
ومن قديم عرفت قوانين تسمى عندنا نحن الدينكا, بالقوانين الطبيعة وتلك وضعت احكاما لما يمكن ان
ينشاء حينما يذهب رجلان لصيد الاسماك بحربة مشتركة . . يقول العرف انه فى
وسع مالك الحربة اعارتها زميله شريطة ان يقاسمه الاخير كل ما يصطاد من
اسماك .
مضى ماجاك دينق وصديقه ماكور اكويك, فى ذات صباح مشرق الى حضيرة الابقار فى
حشد من الناس . . كانا صديقين ومعهما حربة ماجاك . . وفى النية ان يقتسما
ما يصيدان من اسماك وفق ما
هو العرف والتقاليد.
وحين انتهيا الى ابيانق قام اكبرهما باداء الطقوس والعادات, وابتهل الى ( دنقوت ) اله الدينكا ,
ليقى الناس شر التماسيح وكل الحيوانات الخطرة فى النهر. . وبعد انقضاء الشعائر وموعظة الكبار
اعلن ان النهراصبح امنا للصيدفنزل اليه المنتظرون على الضفاف يغنون اغنيات الموسم الجديد. .
مضى ماجاك , مالك الحربة يصطاد حتى منتصف النهار , ولم يظفربشئ . . ثم تلاه صديقه ماكور
وبقى حتى المغيب لكنه ما غنم شيئا. . وكان يوما سيئا للصديقين. .
وفى المساء اخذ الناس يعودون, من صادفهم الحظ ومن لم يصادفه, ورجعوا الى حظائر ابقارهم
والى قراهم . . .
اتجه ماكور صوب الشاطئ ليلحق بصديقه. . وفى عودته عند منتصف الطريق وقف ليغتسل فى النهر
وبعدما اغتسل اخذ يقذف حربته متلاعبا. . وفجاءة اصابت الحربة فى سمكة ضخمة مقتلا, فكان ان
فرح, وشارك ماجاك ماكورسعادته على ضفة النهر. . وجئ بالسمكة الضخمة الى الشاطئ .
كمالك للحربة ظن ان السمكة تخصه بلا جدال, على ان الامور اختلفت هذه
المرةاذ خطر لماكور ان هذه العادة يجب ان تتغير .. وادعى ان عناء من صاد
السمكة يجب الا يخضع لعرف وتقليد فاعاد لماجاك
حربته ورفض ان يعطيه السمكة...
ونشاء صراع عنيف بين الاثنان.. بعد صداقتهما الطويلة وعرف الناس امر قتالهما واعابوا عليهما ان
يتخاصمان على سمكة. . واصر كلا منهما لاحقيته المطلقة .
وفىاليوم الثانى كان الاثنان والسمكة امام المحكمة . . ووفقا للعرف ظن اكثر
اعضاء المحكمة ان ماجاك سيظفر بالسمكة والحربة وماكور لن يلقى شيئا. . .
اشتدت الاصوات معلنة ان ذلك انتهاك للعدالة . وان ماكور يجب ان ينال السمكة
التى صاد... وترجع لماجاك حربته .. لم يظهر حل فى الافق واستمرت القضية
خمس سنوات وعلقت السمكة فى منزل رئيس
المحكمة حسب قرار المحكمة.. فى هذه المدة صارت السمكة تقريبا فتات.. واكلتها الحشرات.. انزعج
رئيس المحكمة فدعى لجلسة طارئة ليفصل بحكم فى القضية. .
وانعقدت المحكمة مرة اخرى وجاء الناس من كل الدروب . . واستغرقت الجلسة ساعات و ساعات
ولم يكن هناك مخرج. .
بعد ساعات عدة من المداولات رفع ماكونق كايور يده وهو طفل فى العاشرة من عمره وقال ان لديه
قرار بصددالقضية . .
حدق فيه الحضور باستياء. . وطلبوا منه ان يجلس وطالب اخرين بطرده من
المحكمة . . لكن رجلا عجوزا من الحاضرين رفع يده . وسمح له فطلب ان يتاح
للصبى فرصة للحديث علها تنهى القضية
فاستدعى الصبى ليقول قراره. وقد قضى بهذا:
( يجب ان تعطى السمكة لماكور, الرجل الذى قتلها. . واذا اصر رئيس المحكمة ماجاك ان ياخذها لان الحربة ملكه
فلتعارالحربة لماكور يقتل بها من يشاء من فى المحكمة .. ويدفع ماجاك
التعويض اذ ان حربة الصيد تخصه . . ولو اتفق ان ماجاك كان هو المضروب
بالحربة فلن يستحق التعويض لانه ضحية سلاحه)
راى رئيس المحكمة ان قرار الصبى هو الحل الامثل لهذه القضية. . وسال ماجاك عن رايه. . فاجاب
بانه لا يتفق مع الصبى فى قراره لكن اسقط ادعاء ان السمكة له. .
كان ذلك نهاية محاكمة السمكة الكبرى . . . واثنت المحكمة والحضور علىحكمة الصبى ماكونق. .
جوناثان ماين - مختارت من الادب السودانى- 1990- تقديم علىالمك
اقوياء مقام .
قبل نحو قرنين من الزمان , وفى قرية ( التنوم ) احدى قرى الدينكا, تصدت المحكمة لمحاكمة السمكة
الكبرى . . واستغرقت القضية خمس سنوات, واستاثرت باهتمام الناس فى كل القرى والمناطق المجاورة .
وقد اشتهر الدينكا برعى الابقار , ومنهم من يشتغل بالزراعة, وحينا بعد حين
يجتمعون شيبا وشباب يصيدون الاسماك , يدفعهم لهذا غرامهم باكل السمك, ورغبة
فى نيل متعة الصيد.
ومن قديم عرفت قوانين تسمى عندنا نحن الدينكا, بالقوانين الطبيعة وتلك وضعت احكاما لما يمكن ان
ينشاء حينما يذهب رجلان لصيد الاسماك بحربة مشتركة . . يقول العرف انه فى
وسع مالك الحربة اعارتها زميله شريطة ان يقاسمه الاخير كل ما يصطاد من
اسماك .
مضى ماجاك دينق وصديقه ماكور اكويك, فى ذات صباح مشرق الى حضيرة الابقار فى
حشد من الناس . . كانا صديقين ومعهما حربة ماجاك . . وفى النية ان يقتسما
ما يصيدان من اسماك وفق ما
هو العرف والتقاليد.
وحين انتهيا الى ابيانق قام اكبرهما باداء الطقوس والعادات, وابتهل الى ( دنقوت ) اله الدينكا ,
ليقى الناس شر التماسيح وكل الحيوانات الخطرة فى النهر. . وبعد انقضاء الشعائر وموعظة الكبار
اعلن ان النهراصبح امنا للصيدفنزل اليه المنتظرون على الضفاف يغنون اغنيات الموسم الجديد. .
مضى ماجاك , مالك الحربة يصطاد حتى منتصف النهار , ولم يظفربشئ . . ثم تلاه صديقه ماكور
وبقى حتى المغيب لكنه ما غنم شيئا. . وكان يوما سيئا للصديقين. .
وفى المساء اخذ الناس يعودون, من صادفهم الحظ ومن لم يصادفه, ورجعوا الى حظائر ابقارهم
والى قراهم . . .
اتجه ماكور صوب الشاطئ ليلحق بصديقه. . وفى عودته عند منتصف الطريق وقف ليغتسل فى النهر
وبعدما اغتسل اخذ يقذف حربته متلاعبا. . وفجاءة اصابت الحربة فى سمكة ضخمة مقتلا, فكان ان
فرح, وشارك ماجاك ماكورسعادته على ضفة النهر. . وجئ بالسمكة الضخمة الى الشاطئ .
كمالك للحربة ظن ان السمكة تخصه بلا جدال, على ان الامور اختلفت هذه
المرةاذ خطر لماكور ان هذه العادة يجب ان تتغير .. وادعى ان عناء من صاد
السمكة يجب الا يخضع لعرف وتقليد فاعاد لماجاك
حربته ورفض ان يعطيه السمكة...
ونشاء صراع عنيف بين الاثنان.. بعد صداقتهما الطويلة وعرف الناس امر قتالهما واعابوا عليهما ان
يتخاصمان على سمكة. . واصر كلا منهما لاحقيته المطلقة .
وفىاليوم الثانى كان الاثنان والسمكة امام المحكمة . . ووفقا للعرف ظن اكثر
اعضاء المحكمة ان ماجاك سيظفر بالسمكة والحربة وماكور لن يلقى شيئا. . .
اشتدت الاصوات معلنة ان ذلك انتهاك للعدالة . وان ماكور يجب ان ينال السمكة
التى صاد... وترجع لماجاك حربته .. لم يظهر حل فى الافق واستمرت القضية
خمس سنوات وعلقت السمكة فى منزل رئيس
المحكمة حسب قرار المحكمة.. فى هذه المدة صارت السمكة تقريبا فتات.. واكلتها الحشرات.. انزعج
رئيس المحكمة فدعى لجلسة طارئة ليفصل بحكم فى القضية. .
وانعقدت المحكمة مرة اخرى وجاء الناس من كل الدروب . . واستغرقت الجلسة ساعات و ساعات
ولم يكن هناك مخرج. .
بعد ساعات عدة من المداولات رفع ماكونق كايور يده وهو طفل فى العاشرة من عمره وقال ان لديه
قرار بصددالقضية . .
حدق فيه الحضور باستياء. . وطلبوا منه ان يجلس وطالب اخرين بطرده من
المحكمة . . لكن رجلا عجوزا من الحاضرين رفع يده . وسمح له فطلب ان يتاح
للصبى فرصة للحديث علها تنهى القضية
فاستدعى الصبى ليقول قراره. وقد قضى بهذا:
( يجب ان تعطى السمكة لماكور, الرجل الذى قتلها. . واذا اصر رئيس المحكمة ماجاك ان ياخذها لان الحربة ملكه
فلتعارالحربة لماكور يقتل بها من يشاء من فى المحكمة .. ويدفع ماجاك
التعويض اذ ان حربة الصيد تخصه . . ولو اتفق ان ماجاك كان هو المضروب
بالحربة فلن يستحق التعويض لانه ضحية سلاحه)
راى رئيس المحكمة ان قرار الصبى هو الحل الامثل لهذه القضية. . وسال ماجاك عن رايه. . فاجاب
بانه لا يتفق مع الصبى فى قراره لكن اسقط ادعاء ان السمكة له. .
كان ذلك نهاية محاكمة السمكة الكبرى . . . واثنت المحكمة والحضور علىحكمة الصبى ماكونق. .
جوناثان ماين - مختارت من الادب السودانى- 1990- تقديم علىالمك