محجوب شريف، شاعر الصمود بلا منازع
صفحات من مذكراتي
د. صدقي كبلو
موقع السودان للجميع
إن الشخص منا معشر المعتقلين على أيام نميري، لينظر للوراء
ويستعيد الذكريات ويسأل نفسه كيف كان يكون المعتقل بدون
بعض الزملاء والزميلات الذين جعلوا المعتقل محتملا إما
بصمودهم نفسه أو بحكمتهم وقدرتهم على امتصاص الغضب
والحزن ومواجهة المشاكل العامة والخاصة للمعتقلين أو بقدرتهم
التنظيمية في تنظيم حياة المعتقلين كلجان المفاوضات، لجان
الطعام والكميون، اللجان الثقافية ولجان المجلات الناطقة ولجان
الاحتفالات بالأعياد الوطنية والثورية والدينية، أو كيف كان يكون
المعتقل بدون وجود بعض المبدعين من الفنانين والشعراء
والممثلين ومخرجي المسرح والمعلمين في كافة مجالات المعرفة.
ولكن يظل السؤال الخاص جدا ماذا كان سيكون المعتقل لو لم يكن
محجوب شريف وشعره يرفرفان على جو المعتقل في الحفلات
وعند الترحيل وعند وداع مطلقي السراح؟ محجوب كان حاضرا
في كل المعتقلات حتى وهو غير معتقل فلمحجوب رواة شعره
ولمحجوب أناشيده المغنى والملحنة داخل المعتقلات.
التقيت محجوب شريف أول مرة مع صلاح العالم وعمر الدوش أمام
ميدان سينما برمبل بأمدرمان (البوستة) عام 1970 وكنت قادما حينها
من الجنوب بعد الاشتراك في معسكر الجبهة الديمقراطية بواو وهو
أحد ثلاث معسكرات أقامتها الجبهة الديمقراطية بالجامعات والمعاهد
العليا لدعم قيام حركة ديمقراطية في الجنوب في كل من واو ملكال
وجوبا. وعندما عرفني صلاح بكليهما، قلت لمحجوب لقد قضينا وقتا
طويلا في واو نتناقش في: حارسنا وفارسنا واتفقنا كم هي جميلة
وشاعرية وكيف أن في شاعريتها وجمالها خطورتها لأن معانيها
انقلابية وتسئ لنضال الشعب وقواه الثورية فنحن لم نكن ننتظر
مايو ولا نفتش عنه "كنا زمن نفتش ليك وجيتنا الليلة كايسنا"
فضحك ثلاثتهم وقالوا لقد كان ذلك موضوع نقاشهم على الغداء عند
صلاح العالم ومن يومها أصبحنا أصدقاء. ولم يكن محجوب يومها
شيوعيا.
وتعددت لقاءاتنا بعد ذلك ولكنها تكثفت في الفترة بين أبريل 1971
ويوليو 1971 حيث كنا نلتقي كثيرا إما عند صلاح العالم أو في
الأمسيات الثقافية التي تعج بها أم درمان وأنديتها الثقافية التي
كان يدير معظمها إتحاد الشباب السوداني. وهذه هي القترة التي
كتب فيها محجوب قصيدة لا أذكر اسمها ولكنه يقول فيها يا مايو
لا أو لا حارسنا ولا فارسنا ، وكتب فيها قصيدة كنت أحبها
وأرددها في المظاهرات والندوات وأتذكر منها:
الشعب كتاب نقرأ فيه
نتعلم منه
كي نجتاز دروب التيه
ولأنه أصل الأصل
القول الفصل
والد جيل
منه أنا وبه أعتز
تهتز الأرض ولا يهتز
جيل قيامة
عليه علامة
جيلي جيل الحرية
جيل يكبر يوميا
جيل يمتد بعرض الأرض
كمنشورات ثورية
جيل يمتد بعرض البحر
كشلالات نارية
وطريق جهنم أن تختار طريقا لا يمشيه
وطريق جهنم أن تختار طرقا لا يمشيه
ثم جاءت يوليو وكان اللقاء الشهير بين وردي ومحجوب الشريف
الذي استضافه المذيع الممتاز ذو النون بشرى وقدم فيه محجوب ما
دوامة وقدم وردي نشيد حنتقدم.
وكان طبيعيا أن يعتقل محجوب شريف بعد انقلاب 22 يوليو المضاد
وعودة الديكتاتور نميري. ولكنه أخذ بعيدا عن أغلبية المعتقلين
المكتظين في السرايا لقسم اسمه المدرسة كان من بين معتقليه
الأستاذ جوزيف قرنق، قبل أن يساق بليل للشجرة ثم للمشنقة،
والأستاذ المرحوم عبد العظيم حسنين (رئيس سابق لإتحاد طلاب
جامعة الخرطوم). وكان أن سرب لنا من المدرسة قصيدته الرائعة:
يا شعبنا
يا والداً أحبنا
يا من وهبت قلبنا
ثباتك الأصيلا
إليك هذه الرسالة القصيرة الطويلة
إليك من زنزانة تخاصم الفصولا
إليك رغم أنف كل بندقية
وطعنة شقية
وحقد بريرية
إليك الحب والسلام والتحية
إليك يا حبيبنا وبعد
أدبتنا
أحسنت يا أبي
فلم نتابع الهوى
لكنما قابيل ما أرعوى
كالذئب في حظيرة عوى
وكم غوى
وتابع الهوى
وتاه في الأنا
أراد للدماء أن تسيلا
ونحن مثلما عرفت يا أبي
بفضلك الكريم
من أشرس الرجال حينما نقاوم
نموت لا نساوم
ندوس كل ظالم
ونفتح الصدور للمدافع الثقيلة
ومن هنا
أبناءك الرفاق أقسموا
فصيلة فصيلة
أن يثأروا لحرمة الأمومة الجليلة
لطفلة جميلة
تنفست قليلا
تمددت قتيله
رصاصة في قلبها
وطعنة في جنبها
ولم تعش طويلا
لكنما
مليون مثلها سينجبوا
النضال يا أبي حقيقة
وأجمل الأطفال قادمون ساعة فساعة
عيونهم أشد من عيوننا بريقاً
صدورهم بما وهبت أكثر اتساعا
سيوفهم تزيد من سيوفك الطوال طولا
1/5
::::::::::::::نواصل ::::::::::
صفحات من مذكراتي
د. صدقي كبلو
موقع السودان للجميع
إن الشخص منا معشر المعتقلين على أيام نميري، لينظر للوراء
ويستعيد الذكريات ويسأل نفسه كيف كان يكون المعتقل بدون
بعض الزملاء والزميلات الذين جعلوا المعتقل محتملا إما
بصمودهم نفسه أو بحكمتهم وقدرتهم على امتصاص الغضب
والحزن ومواجهة المشاكل العامة والخاصة للمعتقلين أو بقدرتهم
التنظيمية في تنظيم حياة المعتقلين كلجان المفاوضات، لجان
الطعام والكميون، اللجان الثقافية ولجان المجلات الناطقة ولجان
الاحتفالات بالأعياد الوطنية والثورية والدينية، أو كيف كان يكون
المعتقل بدون وجود بعض المبدعين من الفنانين والشعراء
والممثلين ومخرجي المسرح والمعلمين في كافة مجالات المعرفة.
ولكن يظل السؤال الخاص جدا ماذا كان سيكون المعتقل لو لم يكن
محجوب شريف وشعره يرفرفان على جو المعتقل في الحفلات
وعند الترحيل وعند وداع مطلقي السراح؟ محجوب كان حاضرا
في كل المعتقلات حتى وهو غير معتقل فلمحجوب رواة شعره
ولمحجوب أناشيده المغنى والملحنة داخل المعتقلات.
التقيت محجوب شريف أول مرة مع صلاح العالم وعمر الدوش أمام
ميدان سينما برمبل بأمدرمان (البوستة) عام 1970 وكنت قادما حينها
من الجنوب بعد الاشتراك في معسكر الجبهة الديمقراطية بواو وهو
أحد ثلاث معسكرات أقامتها الجبهة الديمقراطية بالجامعات والمعاهد
العليا لدعم قيام حركة ديمقراطية في الجنوب في كل من واو ملكال
وجوبا. وعندما عرفني صلاح بكليهما، قلت لمحجوب لقد قضينا وقتا
طويلا في واو نتناقش في: حارسنا وفارسنا واتفقنا كم هي جميلة
وشاعرية وكيف أن في شاعريتها وجمالها خطورتها لأن معانيها
انقلابية وتسئ لنضال الشعب وقواه الثورية فنحن لم نكن ننتظر
مايو ولا نفتش عنه "كنا زمن نفتش ليك وجيتنا الليلة كايسنا"
فضحك ثلاثتهم وقالوا لقد كان ذلك موضوع نقاشهم على الغداء عند
صلاح العالم ومن يومها أصبحنا أصدقاء. ولم يكن محجوب يومها
شيوعيا.
وتعددت لقاءاتنا بعد ذلك ولكنها تكثفت في الفترة بين أبريل 1971
ويوليو 1971 حيث كنا نلتقي كثيرا إما عند صلاح العالم أو في
الأمسيات الثقافية التي تعج بها أم درمان وأنديتها الثقافية التي
كان يدير معظمها إتحاد الشباب السوداني. وهذه هي القترة التي
كتب فيها محجوب قصيدة لا أذكر اسمها ولكنه يقول فيها يا مايو
لا أو لا حارسنا ولا فارسنا ، وكتب فيها قصيدة كنت أحبها
وأرددها في المظاهرات والندوات وأتذكر منها:
الشعب كتاب نقرأ فيه
نتعلم منه
كي نجتاز دروب التيه
ولأنه أصل الأصل
القول الفصل
والد جيل
منه أنا وبه أعتز
تهتز الأرض ولا يهتز
جيل قيامة
عليه علامة
جيلي جيل الحرية
جيل يكبر يوميا
جيل يمتد بعرض الأرض
كمنشورات ثورية
جيل يمتد بعرض البحر
كشلالات نارية
وطريق جهنم أن تختار طريقا لا يمشيه
وطريق جهنم أن تختار طرقا لا يمشيه
ثم جاءت يوليو وكان اللقاء الشهير بين وردي ومحجوب الشريف
الذي استضافه المذيع الممتاز ذو النون بشرى وقدم فيه محجوب ما
دوامة وقدم وردي نشيد حنتقدم.
وكان طبيعيا أن يعتقل محجوب شريف بعد انقلاب 22 يوليو المضاد
وعودة الديكتاتور نميري. ولكنه أخذ بعيدا عن أغلبية المعتقلين
المكتظين في السرايا لقسم اسمه المدرسة كان من بين معتقليه
الأستاذ جوزيف قرنق، قبل أن يساق بليل للشجرة ثم للمشنقة،
والأستاذ المرحوم عبد العظيم حسنين (رئيس سابق لإتحاد طلاب
جامعة الخرطوم). وكان أن سرب لنا من المدرسة قصيدته الرائعة:
يا شعبنا
يا والداً أحبنا
يا من وهبت قلبنا
ثباتك الأصيلا
إليك هذه الرسالة القصيرة الطويلة
إليك من زنزانة تخاصم الفصولا
إليك رغم أنف كل بندقية
وطعنة شقية
وحقد بريرية
إليك الحب والسلام والتحية
إليك يا حبيبنا وبعد
أدبتنا
أحسنت يا أبي
فلم نتابع الهوى
لكنما قابيل ما أرعوى
كالذئب في حظيرة عوى
وكم غوى
وتابع الهوى
وتاه في الأنا
أراد للدماء أن تسيلا
ونحن مثلما عرفت يا أبي
بفضلك الكريم
من أشرس الرجال حينما نقاوم
نموت لا نساوم
ندوس كل ظالم
ونفتح الصدور للمدافع الثقيلة
ومن هنا
أبناءك الرفاق أقسموا
فصيلة فصيلة
أن يثأروا لحرمة الأمومة الجليلة
لطفلة جميلة
تنفست قليلا
تمددت قتيله
رصاصة في قلبها
وطعنة في جنبها
ولم تعش طويلا
لكنما
مليون مثلها سينجبوا
النضال يا أبي حقيقة
وأجمل الأطفال قادمون ساعة فساعة
عيونهم أشد من عيوننا بريقاً
صدورهم بما وهبت أكثر اتساعا
سيوفهم تزيد من سيوفك الطوال طولا
1/5
::::::::::::::نواصل ::::::::::
عدل سابقا من قبل لؤي شمس العلا ابراهيم في الخميس أغسطس 12, 2010 7:47 pm عدل 1 مرات